التحذير من اكل المال الحرام وبيان خطره علي المجتمع بقلم محمد القطاوي
كتب: محمد القطاوي
التحذير من اكل المال الحرام
عناصر المقال
- حاجة الإنسان إلي الحلال
- المال الحلال يجمل الحياة والمال الحرام يضيق العيش
- المال الحرام سلاح الأعداء لهدم القيم
- صور المال الحرام
- لقد كان في قصصهم عبرة
- قبل فوات الأوان
الحمد لله الذي لا معبود بحق سواه والذي يعز من أطاعه واتقاه ويُذل من أعرض عنه وعصاه لا مبدي لما أخفاه ولا مخفي لما أبداه قوله حق وقضاؤه حق وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه
الله قُل وذر الوجود وما حــــــوى ***إن كنت مرتاداً بلوغ كمـــــــــــال
فالكل دون الله إن حققتـــــــــــــه ***عدمٌ على التفصيل والإجمـــــــال
واعلم بأنك والعوالم كلـــــــــــها ***لولاه في محوٍ وفي اضمـــــــحلال
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
يقول في محكم كتابه يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه وحبيبه إمام الأئمة وقمة كل قمة النبي المليح صاحب المقام الأعلى واللسان الفصيح
أخرج الإمام البخاري في صحيحه من رواية سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه أن حبيبنا قال
“يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ”
اللهم صل ياربنا علي حبيبنا ما سعدت عين بنظر وأذن بخبر وما ارتوت أرض بمطر عدد ما خلقت من شجر وحجر ومدر وترضي إلهنا عن ال بيت نبينا وعن صحابته الأكارم وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين
العنصر الأولي (حاجة الإنسان إلي الحلال )
إننا نعيش في زمن تفشت فيه الكثير من الأمراض القلبية الفتاكة التي يعظم خطرها ليعم الفرد والمجتمع
- من أعظم هذه الأمراض وأشدها خطرا علي المجتمع كله أكل المال الحرام بشتي صوره وأنواعه
داء عضال ومرض خطير يطيح بالكثير من القيم والمبادئ المثالية التي أرساها الله في نفوس عباده ببعثة نبيه والذي أرسله الله متمما للمكارم ومعليا للقيم الإنسانية والتعاليم الربانية القويمة فبني بها مجتمعا إيمانيا مطهرا من كل المعائب التي خلفتها الجاهلية القديمة فزالت أدناسها وأمراضها ببعثة رسول الله صلي الله عليه وسلم
- فلما بعُـد الزمان بيننا وبين رسول الله وغرق الناس في الشهوات إلا من رحم الله بعدت القلوب عن تعاليم الله وكتابه وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم وتخلي البعض منا عن الكثير من الفضائل التي دعانا إليها وعلمنا إياها وأوصانا بها رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فضعف الإيمان في قلوبنا حتي أصبحنا لا نبحث عن سبل عيشنا امن الحلال هي أم من الحرام ، فوضعنا لأنفسنا مسميات ومصطلحات نستحل بها الحرام ونحرم بها الحلال وغفلنا عن أهمية الحلال في حياتنا وأن طلب الحلال واجب علي كل مسلم وأن الشرع حثنا علي تحصيله وبين لنا سبل الحصول عليه فقال سبحانه في سورة النحل (فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)
- من السهل علينا أن نفرق بين الحلال والحرام فكلنا نعرف الحلال والحرام؛ لأن الشرع الحكيم قد بينهما؛ فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:”إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ؛ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ؛ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى؛ أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ؛ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ”. (متفق عليه)
- ففي شرح هذا الحديث الجامع يقول الإمام ابن حجر:” في الحديث تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياء.
- فالأول: الحلال البين
- والثاني: الحرام البين . فمعنى قوله ” الحلال بين ” أي لا يحتاج إلى بيانه ويشترك في معرفته كل أحد ، والثالث مشتبه لخفائه فلا يدرى هل هو حلال أو حرام ،
- وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الأمر حراما فقد برئ من تبعاتها؛ وإن كان حلالا فقد أجر على تركها بهذا القصد؛ لأن الأصل في الأشياء مختلف فيه حظرا وإباحة ، والأولان قد يردان جميعا فإن علم المتأخر منهما وإلا فهو من حيز القسم الثالث.”أ.هـ بتصرف. (فتح الباري(
- من هنا وجب علينا أن نتحري الحلال ونجتنب الحرام بكل دقة فما خفي علينا وتذبذبت في الحكم عليه قلوبنا ابتعدنا عنه وأخذنا بالأحوط فاتقاء الشبهات براءة للدين والعرض كما بين لنا الصادق المعصوم صلي الله عليه وسلم فمن فعل ذلك سعد في دنياه ونجا في آخرته من حر نار تلظي أعاذنا الله وإياكم منها
ثم إننا في دار قليل بقاؤها معدودة أيامها يفني متاعها ولسوف نُسأل بعدها عن كل ما اقترفناه وما اكتسبناه وما عملته أيدينا فلن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن كل صغيرة وكبيرة فعلها في الدنيا أخرج ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: “لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ وفي رواية أخري يرويها الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه قال؛ قال صلى الله عليه وسلم:” لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه؛ وعن شبابه فيما أبلاه؛ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؛ وعن علمه ماذا عمل فيه.” [ صحيح الترغيب والترهيب – الألباني ]
المال الحلال يجمل الحياة والمال الحرام يضيق العيش
فطر الله الإنسان علي حب المال حبا شديدا فقال (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) فطرة لا تقبل التبديل خلقنا الله عليها، وأثبتها فينا قرآنا محمكا لا يتغير أبد الدهر. فطرة سوية سليمة اقرها الله في شريعته لمصالح العباد وسعادتهم ودلهم علي سبل السلامة لاستخدام هذه الفطرة فتجاوز الإنسان الفطرة السوية وخرج عن التطبيق المبتغي منها وانتقل من الجميل الذي زين الله بيه حياته إلي القبيح ومن السعة إلي الضيق والتضييق علي نفسه فسعي خلف شيطان الهوي يلهث وراء شهوة المال الحرام وهي أول شهوة حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم أمّته حيث قال صلى الله عليه وسلم : « إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا ، .. » .
ولأن الرزق مضمون، لذا لم يخش علينا النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر بل خاف علينا الغنى، فأقسم صلى الله عليه وسلم –وهل يحتاج مثله إلى قسم؟!- : « والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسِطت على من كان قبلكم ؛ فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ».
والحق أن شهوة حب المال عمت غالب الخلق حتى فُتِنوا بالدنيا وزهرتها ، وصارت غاية قصدهم : لها يطلبون ، وبها يرضون ، ومن أجلها يغضبون ، وبسببها يوالون ، وعليها يعادون ، وكم قُطِعت أرحام في سبيلها ، وسُفِكت دماء بسببها ، ووقعت فواحش من أجلها ، ونزلت القطيعة وحلَّت البغضاء ، وفُرِّق بين الأخ وأخيه ، وتقاتل الأب مع ابنه ، وتعادى الأصحاب والخلان ،.
من هنا أقول
أن المال زينة جمل الله بها حياة العباد ونعمة من النعم التي سخرها الله للبشر لكي ينعموا بحياة كريمه..ومن منا يستطيع أن يستغني عن المال فبه تُسدُ الحاجات وتُستدفع النقم من خطر ومن مرض ومن فقر ومن فاقة ويغني عن الحاجة إلي الغير وبه يفعل الإنسان الكثير من الخيرات ويسهم في إضفاء روح المحبة والألفة علي من حوله من أبناء المجتمع كالصدقة والبر والإحسان..يحدث ذلك كله إن كان الكسب من الحلال الطيب الذي يحبه الله ويرضاه
عزيزي القارئ
إننا مسؤلون عن توظيف هذا الحب الفطري للمال ومن هنا يكمن الفرق بين من يستخدم نعمة المال فيكسبه من الحلال وينفقه في الحلال ومن يستخدم فطرة حب المال فيستمد شريعته وسلوكه من غرائزه، ويبيح لنفسه كل شيء لإرضاء غرائزه، ويفعل ما لا تفعله الحيوانات. فهو لا يتورع عن الحرام ولا يتقي الشبهات ويقع فيها ولا يوجد أي رادع لديه يمنعه من سلوك أي مسلك للحصول عليه ، هذا النوع من بني البشر جعل المال غاية ففقد السعادة والاكتفاء ويظل دوما محتاجا مهما زاد المال لديه فجعل حبه للمال يغطي بصيرته..ويضعف إيمانه فضاقت عليه الحياة مع سعتها وقل المال في نظره مع كثرته فجعل يركض في دنياه ركض الوحوش في البرية فلا هو يشبع ولا هو يقنع فلو جعل المال وسيلة ارتاح قلبه وهدأت نفسه وسلك الحلال في كسبه
المال الحرام سلاح الأعداء لهدم القيم الإيمانية
- كم تعاني الأمة اليوم من ويلات الحرب المسعورة ضد الإسلام وأهله ، والزج بهم لأكل المال الحرام ، فأعداء الإسلام يتربصون بالإسلام وأهله
- زينوا الحرام وغلفوه في مصطلحات وهمية ليسهل علي الناس الوقوع فيه فهذا أحد عباقرة أعداء الإسلام يقول: إن ما يهمنى هو أن يظل المسلمون يأكلون حراما !! فسأله أحد تلامذته الذين يربيهم ليتسلموا راية العداء لهذه الأمة: ولماذا تريد للمسلمين أن يأكلوا حراما؟! فقال: لأن المسلم حينما نطعمه حراما فلا بد وأن ينحرف ويعوج عن منهج الله ومنهج محمد (صلى الله عليه وسلم)!!
- فجعلوا الربا تعاملات مالية وجعلوا الرشوة هدية وجعلوا سرقة المال العام حق مكتسب وجعلوا النصب والاستيلاء ذكاء وعبقرية الحصول علي المال وهكذا نجح أعداء الإسلام في تشتيت الأذهان وصرف القلوب عن الحلال البين الذي أحله الله جل وعلا
مثلهم الأعلى في ذلك هو العدو الأول للإنسان الذي يسعي جاهدا في كل لحظة تمر في عمر الإنسان أن يصرفه عن الحلال ويوقعه في الحرام مستخدما الحيل الكثيرة في ذلك آخذا بيد ابن ادم إلي الحرام خطوة خطوة لذلك حذر الله عباده مبينا مدي عدواته خاصة في قضية تحري الحلال من الحرام فقال سبحانه يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
- فيا عبد الله عرفت أن عدوك لا يهدأ له بال ولا يهنأ بعيش حتي يزحزحك عن تمسكك بتعاليم الإسلام وأخلاقه فلا تدع له القلب والعقل يتصرف فيهما كيف يشاء وفوت الفرصة عليه وانتصر بأخلاقك وقيمك وإنسانيتك عليه ولا تفرط قيد أنملة في تعاليم الإسلام متمسكا بكتاب ربك وسنة نبيك صلي الله عليه واله وصحبه وسلم
لقد كان في قصصهم عبرة
لو أننا نظرنا إلي المال نظرة إيجابية لوجدنا أن المال هو الوسيط الوحيد والضروري لكل المعاملات بكل أنواعها بين بني البشر وبدونه لما استطعنا الرقي والتطور والازدهار وبناء الحضارات ولولا ذلك لما قال الله تعالى عنه بأنه زينة الحياة الدنيا ولأنه عزوجل أعلم بخلقه …بهذه النظرة الصائبة إلى المال فإننا نعتبره وسيلة لا غاية، وهكذا نعيش بسعادة واكتفاء هكذا ربي الإسلام أبنائه فاخرج للعالم قلوبا نظيفة تصفوا فقط علي حب الله ورسوله ولا يعلق بها أي حب سواهما دعاهم ذلك إلي التمسك بالحلال وتطبيقه والبعد عن الحرام واجتنابه علموا أن الله طيبا لا يقبل إلا طيبا علمهم ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلا إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم.
- من هنا انطلق نبينا ومن مع من الصحب الكرام ومن تبعهم من سلفنا الصالح يتورعون عن الشبهات حتي وصل الحال بهم إلي أنهم كانوا يتورعون عن بعض الحلال خشية الوقوع في الحرام
- فمثل يذكر نتعلم منه التورع عن الحرام في أبهي صوره فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله وأتقاهم لله يقول ((إني لأنقلب إلى أهلي فأجد الثمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها
- وقد ورد أن الصديق رضي الله عنه شرب لبناً من كسب عبده ثم سأل عبده فقال: تكهنت لقوم فأعطوني، فأدخل أصابعه في فيه وجعل يقيء حتى ظنَّ أن نفسه ستخرج، ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء. في شخص استطاع بقوة إيمانه أن يفرق بين الحق والباطل فسمي بالفاروق وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول : كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام .. هو عمر الفاروق الذي استطاع بحلاوة إيمانه وجمال قلبه أن يفرق بين طعم الحلال وبين ما اشتبه عليه أمره فيحكي عنه عبد الرحمن بن نجيح فيقول : نزلت على عمر ، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبناً أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقيني نارًا، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل: هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها. ،. فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر ، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة الذين يمثلون المسلمين في ذلك الأمر وعلي المنهج سار السعداء ومن تعلموا المكارم في مدرسة رسول الله فهذا أبو الدرداء يقول : إن من تمام التقوى أن يتقي العبد في مثقال ذرة حتى يدرك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً حتى يكون حجاباً بينه وبين النار
- وقد جاء رجل إلى الإمام الشافعي يشكو له ضيق حاله وأخبره أنه يعمل أجيرا بخمسة دراهم؛ وأن أجره لا يكفيه؛ فما كان من الشافعي إلا أن أمره أن يذهب إلى صاحب العمل ويطالبه بإنقاص أجره إلى أربعة دراهم بدلا من خمسة؛ وامتثل الرجل لأمر الشافعي رغم أنه لم يفهم سببه!! وبعد فترة عاد الرجل إلى الشافعي وقال :لم يتحسن وضعي إنما مازالت المشكلة قائمة؛ فأمره الشافعي بالعودة إلى صاحب العمل وطلب إنقاص أجره إلى ثلاثة دراهم بدلا من أربعة دراهم.؛ ذهب الرجل ونفذ ما طلب منه الإمام الشافعي مندهشاً!!! وبعد فتره عاد الرجل إلى الشافعي وشكره على نصيحته؛ وأخبره أن الثلاثة دراهم أصبحت تغطي كل حوائجه وتفيض؛ بعدها سأله عن تفسير هذا الذي حدث معه؛ فأخبره الإمام الشافعي: أنه كان من البداية يعمل عملا لا يستحق عليه إلا ثلاثة دراهم وبالتالي الدرهمان الباقيان لم يكونا من حقه؛ وقد نزعا البركة عن بقية ماله عندما اختلط به.
- وأنشد: جمع الحرام على الحلال ليكثره ……. دخل الحرام على الحلال فبعثره
- فهذه رسالة في غاية الأهمية لكل موظف أن يتق الله في عمله وان يتقنه ولا يكن همه التوقيع في سجل حضوره وانصرافه ضاربا بالحلال والحرام عرض الحائط جعل جمع المال نصب عينيه وترك الإتقان ولم يتق الله فيه رسالة تهمس في إذن كل عامل في الدولة أن ينظر في لقمة يدخلها إلي بطون أولاده امن الحلال أم من الحرام هي فمن قصر في عمله اطعم أبناءه الحرام ومن قبل الرشوة أو الوساطة والمحسوبية فضيع الحقوق ومن مجد في رئيس العمل للحصول علي منصب أو ترقية أو ليهرب من عمله مقصرا فيه فقد اهلك نفسه وادخل الحرام إلي بيته واطعم به أولاده
صور المال الحرام
كم للمال الحرام من صور مغلفة يزينها الشيطان ، يخيل بها على ضعاف النفوس من الناس ، فمن صور المال الحرام ، وأعظمها خطورة على الأفراد والمجتمعات ، والدول والشعوب :
1= تعاطي الربا ، فالربا ممحوق البركة ، منزوع الخير ، قال تعالى : ” يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ” ، الربا من أشد الرزايا على المجتمعات وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي ، رَجُلًا يَسْبَحُ فِي نَهَرٍ دم ، وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ ، فَسَأَلْتُ مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ لِي : ” آكِلُ الرِّبَا “, فالله الله أيها المسلمون احذروا الربا في تعاملاتكم ، وفي أعمالكم ، فهو حرب على الله تعالى ، وأنى لعبد أن يحارب خالقه ورازقه وموجده .
2= ومن صور المال الحرام ، الحلف بالله زوراً لتضييع الحقوق ، وهضم الأموال ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ” ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : ” وَإِنْ كان قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ”
3= ومن صور المال الحرام أخذ الرشوة ، ولقد لُعن أهلها والمتعاملين بها ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي ، وكم من الموظفين اليوم من لا يخاف الله ولا يخشاه ، فتراه آكلاً للمال الحرام ، متعاط للرشوة ، ولقد علم سلف هذه الأمة خطورة الرشوة ، وشديد أمرها ، وأنها سبب لزعزعة الأمن ، ومجلبة للضعف والخور ، وهلاك ودمار ، فتركوا طريقها ، وابتعدوا عن سبيلها ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ ، فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ قَالَ : فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ ، فَقَالُوا لَهُ : هَذَا لَكَ وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ! وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرَّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا ، فَقَالُوا : بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ و أن من أشد أنواع الرشوة خطورة ، وأعظمها نكاية بالأمة ، الرشوة لإبطال حق ، أو إحقاق باطل
4= من صور المال الحرام التسول وسؤال الناس بلا حاجة أو ضرورة ، فالتسول سبب لمحق بركة المال ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا ، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ ” [ أخرجه مسلم ] ، التسول تعتيم لصورة الإسلام المضيئة ، وتشويه لحقيقته الوضاءة ، فكم سعى الأعداء للنيل من الإسلام بشتى الطرق والوسائل ، فكم من الناس اليوم من يعاني الفقر ، ويصارع الجوع ، ويدفع الفاقة ، ومع ذلك تراه عفيف النفس ، شامخ الأخلاق ، فلا يمد يديه إلا لله ، ولا يُنزل حاجته إلا بالله ، ومع فقره وشدة حاجته فهو كما قال الله تعالى : ” يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً ” ، وهناك من الناس من يسأل عباد الله ، ويترك من بيده خزائن السموات والأرض ، لا حاجة ولا فاقة ، وإنما إكثاراً من الأموال وتكسباً ، فأصبح التسول هو وظيفته ، ومصدر رزقه 5= ومن صور المال الحرام أخذ أموال الناس بقصد السلف والدين ، مع إضمار النية بعدم رده وسداده ، أو التهاون في ذلك ، فهذا هو الظلم والعدوان ، والتعدي على حرمات الواحد الديان ، قال الله المنان : ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ” ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ” [ أخرجه البخاري ] ، ثم اعلموا أيها الناس أن أكل المال بمثل هذه الصورة من صور المال الحرام هو ظلم وتعد على الأموال المعصومة ، فمن كانت لديه أموال لأناس أسدوا له معروفاً ، وقدموا له إحساناً فعليه أن يرد المال لأصحابه ، والإحسان إحساناً ، يقول الله جل وعلا : ” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ” ، وقال تعالى : ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ” ، واعلموا أيها الناس أن من يأكل أموال الناس بطريقة خسيسة ، وحيلة ملتوية ، لا إسلام ، ولا إيمان له ، ويصدق ذلك قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ” [ متفق عليه ] ، فأين الإسلام ممن لم يسلم الناس من يده ، وأين الإيمان ممن لم يرع أموال الناس ، فاتقوا الله عباد الله ، وردوا الأمانات إلى أهلها ، وتوبوا إليه قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، وإنما هي الحسنات والسيئات ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ” [ أخرجه البخاري ] .
6= ومن صور المال الحرام ، بيع المسلم على بيع أخيه ، وشرائه على شرائه ، كمن يشتري سلعة من شخص ، ثم يأتي آخر ، فيعرض مبلغاً أكثر من الأول بقصد الإضرار أو بلا قصد ، فهذا بيع وشراء محرم ، وكذلك بيع المسلم على بيع أخيه ، كمن يبيع سلعة على شخص ثم يأتي بائع آخر ، فيعرض سلعته على المشتري بقصد الإضرار بالبائع الأول ، أو بغير قصد ، فهذا بيع وشراء حرام ، لقوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ ” [ متفق عليه واللفظ للنسائي ] ، فلا يجوز للمسلم إذا رأى أخيه المسلم أقدم على شراء سلعة أن يقدم على شرائها ، حتى يتم البيع أو يترك المشتري السلعة ، ولا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة على مسلم قد باعها إياه بائع آخر ، حتى يتم البيع أو يترك المشتري ،
قبل فوات الأوان
إن للمال الحرام اثر بالغ في تدمير مجتمع بأكمله وهدم كل القيم والمبادي الإنسانية التي دعا إليها الشرع الحنيف كما انه يسبب دمارا في حياة الفرد بصفة خاصة فيحجب عن آكله أبواب السماء فلا يستجاب له الدعاء ولا يقبل له عمل
قال سفيان الثوري رضي الله عنه: من أنفق من الحرام في طاعة الله كان كمن طهر الثوب النجس بالبول والثوب النجس لا يطهره إلا الماء والذنب لا يكفره إلا الحلال.”( إحياء علوم الدين(
- آكل الحرام ينبت جسمه من السحت ومن نبت جسمه من حرام فالنار أولى به؛ فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به » والسحت : الحرام الذي لا يحل كسبه؛ لأنه يسحت البركة : أي يذهبها ، والسحت من الإهلاك وأخرج البخاري وأحمد من حديث خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ ـ يتصرفون ـ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. “؛ وعن أبي أمامة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اقتطع حق امرئ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراك”( مسلم ). وروى البخاري من حديث خولة الأنصارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة».
- وآكل الحرام يقسوا قلبه وتكسل جوارحه عن طاعة ربه ويسود قلبه فلا يري بنور الله أبدا ويستوجب غضب الجبار جل وعلا فقد ذكر ابن القيم في كتابه الداء والدواء قصة لذلك فقال : ” أصاب بني إسرائيل بلاء ، فخرجوا مخرجا ، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم : إنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة ، وترفعون إلي أكفا قد سفكتم بها الدماء ، وملأتم بها بيوتكم من الحرام ، الآن حين اشتد غضبي عليكم ؟ ولن تزدادوا مني إلا بعدا !!!!”
- فالله الله في بطونكم وبطون من تعولون فلا تطعمونهم إلا حلالا طيبا
- ومن رحمة الله بعباده أن باب التوبة مفتوح دائما علي مصراعيه
- فالله لا يرد تائبا ولا يخيب راجيا ولا يقنط داعيا فمن وقع في شئ من أكل المال الحرام فليتحلل منها وليرجع إلي الله تائبا توبة نصوحا بكل شروطها من الإقلاع عن الذنب والندم والعزم الأكيد علي عدم العودة إليه والتحلل من المظالم إن كانت للعباد وردها إلي أصحابها
قال سبحانه (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
نسأل الله أن ينعم علي بلادنا بالامن والامان والسلامة والاطمئنان وان يحفظ أوطاننا من كل مكروه وسوء وان يوفق ولاة امورنا لما فيه صالح البلاد والعباد انه ولي ذلك والقادر عليه
كتبه
محمد القطاوي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
مؤسس موقع صوت الدعاة الإلكتروني